فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَا عبَاديَ الَّذينَ آمَنُوا إنَّ أَرْضي وَاسعَة فَإيَّايَ فَاعْبُدُون (56)}.
أخرج الفريابي وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة} قال: إذا عمل في الأرض بالمعاصي فأخرجوا منها.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {إن أرضي واسعة} قال: من أمر بمعصية فليهرب.
وأخرج الفريابي وابن جرير عن مجاهد في قوله: {يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون} قال: فهاجروا وجاهدوا.
وأخرج ابن أبي الدنيا في العزلة وابن جرير عن عطاء في الآية قال: إذا أمرتم بالمعاصي فاذهبوا، فإن أرضي واسعة.
وأخرج أحمد عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البلاد بلاد الله، والعباد عباد الله، فحيثما أصبت خيرًا فأقم».
وأخرج الطبراني والقضاعي والشيرازي في الألقاب والخطيب وابن النجار والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سافروا تصحوا وتغنموا».
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائقَةُ الْمَوْت ثُمَّ إلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)}.
أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية: {إنك ميت وإنهم ميتون} قلت: «يا رب أيموت الخلائق كلهم وتبقى الأنبياء؟» نزلت {كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون}.
{وَكَأَيّنْ منْ دَابَّةٍ لَا تَحْملُ رزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإيَّاكُمْ وَهُوَ السَّميعُ الْعَليمُ (60)}.
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر بسند ضعيف عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان المدينة، فجعل يلتقط من التمر ويأكل، فقال «يا ابن عمر مالك لا تأكل! قلت: لا أشتهيه يا رسول الله. قال: لكني أشتهيه وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعامًا ولم أجده، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسى وقيصر، فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبؤون رزق سنتهم، ويضعف اليقين؟ قال: فوالله ما برحنا، ولا رمنا حتى نزلت {وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يأمرني بكنز الدنيا، ولا باتباع الشهوات ألا وإني، لا أكنز دينارًا، ولا درهمًا، ولا أدخر رزقًا لغد».
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وكأين من دابة لا تحمل رزقها} قال: الطير، والبهائم.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن الأقمر في قوله: {وكأين من دابة لا تحمل رزقها} قال: لا تدخر شيئًا لغد.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي مجلز في الآية قال: من الدواب لا يستطيع أن يدخر لغد، يوفق رزقه كل يوم حتى يموت.
وأخرج ابن جرير عن قتادة {فأنى يؤفكون} قال: يعدلون. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وَلَئنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (العنكبوت: 61) وفي سورة لقمان: {وَلَئنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُل الْحَمْدُ للَّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (لقمان: 25) وفي سورة الزخرف: {وَلَئنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزيزُ الْعَليمُ} (الزخرف: 9) وتواردت هذه الآي الثلاث على معنى واحد وهو تقريرهم على ما كانوا يعترفون به من انفراده سبحانه بخلق السماوات والأرض واعترافهم بذلك إن سئلوا ثم اتبع ذلك في سورة العنكبوت بقوله: {وَلَئنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ منَ السَّمَاء مَاءً فَأَحْيَا به الْأَرْضَ منْ بَعْد مَوْتهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُل الْحَمْدُ للَّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقلُونَ} (العنكبوت: 63) فأعلم تعالى أنهم لو سئلوا أيضًا عن هذا لاعترفوا ثم اختلف ما أعقبت به هذه الآي من وصفهم حيث وصفوا فيها بعد فرض سؤالهم واعترافهم فأعقب الأولى بقوله: {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} وآية لقمان بقوله: {قُل الْحَمْدُ للَّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وآية العنكبوت الثانية بقوله: {قُل الْحَمْدُ للَّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقلُونَ} ولم يرد في آية الزخرف إتباع بوصف فللسائل أن يسأل عن اتاد مقصود هذه الآي أو تفصيله؟ وعن وجه اختلاف الدليل فيما ورد في التعقيب به في هذه الآي؟
والجواب عن الأول: أن المقصود فيها ليس واحدًا أما الثلاث آيت الأول فالمراد منها استدلال بهذا الخلق العظيم وما هو عليه من جليل التناسب وإتقان الصنعة وإحكامها من غير تفاوت ولا فطور على واحدانية تعالى وانفراده بالخلق والأمر واتصافه بالعلم والقدرة إلى ما يجب له تعالى من صفات الكمال والتعالي عن شبه الخليقة ولوضوح هذا الدليل ما أخبر تعالى عنهم أنهم لو سئلوا لاعترفوا فقال تعالى: {وَلَئنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] ، وأما قوله تعالى: {وَلَئنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ منَ السَّمَاء مَاءً فَأَحْيَا به الْأَرْضَ منْ بَعْد مَوْتهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (العنكبوت: 63) فمقصودها إقامة البرهان على الإحياء من بعد الموت وبيان ذلك بمثال مشاهد للعالم يحصل عن اعتباره جواز ما قصد تمثيله وبذلك أفصحت آية الأعراف في تعقيبها بقوله: {كَذَلكَ نُخْرجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأعراف: 57) وذلك أبين شيء فقد اختلف المقصد كما تقدم.
ووجه تخصيص سورة العنكبوت بهذه الآية مناسبتها لما تردد فيها وتكرر من ذكر العودة الأخراوية أو الإشارة إليها في ما نيف على عشرى مواضع أولها: قوله: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لقَاءَ اللَّه فَإنَّ أَجَلَ اللَّه لَآتٍ وَهُوَ السَّميعُ الْعَليمُ} (العنكبوت: 5) وآخرها ما ورد قبل الآية المتكلم فيها من قوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائقَةُ الْمَوْت ثُمَّ إلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (العنكبوت: 57) وما اتصل بها وأنصّها في المقصود قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ إنَّ ذَلكَ عَلَى اللَّه يَسير} (العنكبوت: 19) إلى قوله: {ثُمَّ اللَّهُ يُنْشئُ النَّشْأَةَ الْآخرَةَ} (العنكبوت: 20) فناسب ما تردد في هذه السورة من هذه الآي إيراد آية المثال المذكورة ولما لم يرد في السورتين الأخريين مثل الوارد المتكرر في سورة العنكبوت لم يكن ليناسبها ورود آية المثال مناسبتها حيث وردت.
والجواب عن السؤال الثاني وهو توجيه اختلاف الحال فيما وقع فيه التعقيب في هذه الآي أن ذلك مبنى على الترتيب الثابت في الكتاب العزيز لما ذكر تعالى حالهم لو سئلوا عن خلق السماوات والأرض وتسخير النيرين ولا إشكال فيه لمن وفق قال تعالى: {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت: 61] أي كيف يصرفون عن الدلالة مع وضوحها ثم قال عقب آية لقمان: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [لقمان: 25] وحصل مما أعقبت به الآيتان ما في قوة أن لو قيل: كيف يصرفون مع بيان الأمر ما ذلك إلا لمنعهم عن العلم: {إنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبهمْ أَكنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} [الكهف: 57].
وأما ختام آية الزخرف بقوله: {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزيزُ الْعَليمُ} [الزخرف: 9].
فاعتراف تام منهم بوصفه سبحانه بالقدرة والعلم وإذا اعترفوا بذلك لم يبق إلا العناد بما قدر عليهم ومناسبة هذا الختام على ما تمهد من رعي الترتيب وكأن هذه الآية الأخيرة في قوة أن لو قيل: وإذا حقق عليهم وتوبعوا في سؤالهم اعترفوا بالأمر على ما هو عليه فكفرهم بعد ذلك اتباع للهوى وضلال على علم والتناسب في هذا كله بين.
وأما آية العنكبوت الثانية وهي قوله تعالى: {وَلَئنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ منَ السَّمَاء مَاءً فَأَحْيَا به الْأَرْضَ منْ بَعْد مَوْتهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (العنكبوت: 63) ثم قال: {قُل الْحَمْدُ للَّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقلُونَ} (العنكبوت: 63) فوصف أكثرهم هنا بعدم العقل فوجه ذلك- والله أعلم- التعريف بإفراط قصورهم حتى استحقوا الوصف بصفات البهائم ومن لا يصح خطابه وذلك أن العقل فضل الإنسان وبه امتيازه عن البهيمة ولا يمكن العلم بشيء إلا بعد حصوله والاتصاف به وهو مناط التكليف. وهو عند المتكلمين عبارة عن علوم ضوروية وليس كل العلوم الضرورية وهو مع هذا خصيصة جليلة إن عدمت لم يكن التكليف ولا وجود علم وأضداد العلم العامة والخاصة أضداد للعقل وهو من قولهم عقلت البعير إذا أمسكته بعقال وبه وضع خطاب المكلفين فإذا فقد لحق فاقده بالبهائم ثم نقول إن إنزال الماء من السماء وهو ماء واحد المادة فمن عقل هذا هقل وجود الإنسان من نظفة واحدة كواحدة الماء المازل من السماء ثم يكون عن تلك النطفة شكل الإنساء وما ينطوي عليه خلقه وتشتمل عليه جملته والمادة واحدة فالتلاقي والشبه بين الماءين وما يوجده سبحانه عنهما أوضح شيء لمن عقل فكيف يستبعد العودة من يشاهد ذلك أو يعتبر به.
وقد أرانا سبحانه في ماء السماء وما يكون عنه الإحياء بعد الموت ما أوضحه في قوله تعالى: {وَمنْ آيَاته يُريكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزّلُ منَ السَّمَاء مَاءً فَيُحْيي به الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتهَا} (الروم: 24) ما فيه أبين دليل لمن وفقه سبحانه للنظر والاعتبار لا توقف فيه وجعل ذلك متكررًا ونبه تعالى عليه بقوله: {كَذَلكَ نُخْرجُ الْمَوْتَى} (الأعراف: 57) وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذي يُرْسلُ الرّيَاحَ فَتُثيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ في السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ منْ خلَاله} (الروم: 8) وقوله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذي أَرْسَلَ الرّيَاحَ فَتُثيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إلَى بَلَدٍ مَيّتٍ فَأَحْيَيْنَا به الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتهَا} (فاطر: 9). اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلَئنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}.
إذا سُئلوا عن الخالق أقروا بالله، وإذا سُئلوا عن الرازق لم يستقروا مع الله.
هذه مناقَضَة ظاهرة!.
{اللَّهُ يَبْسُطُ الرّزْقَ لمَنْ يَشَاءُ منْ عبَاده وَيَقْدرُ لَهُ إنَّ اللَّهَ بكُلّ شَيْءٍ عَليم (62)}.
الرزق على قسمين: رزق الظواهر ومنه الطعام والشراب، ورزق السرائر ومنه الاستقلال بالمعاني بحيث لا يحصره تكلف الكلام، والناسُ فيهم مرزوق ومُرَفّة عليه، وفيهم مرزوق ولكنْ مْضَيَّق عليه.
{وَلَئنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ منَ السَّمَاء مَاءً فَأَحْيَا به الْأَرْضَ منْ بَعْد مَوْتهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُل الْحَمْدُ للَّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقلُونَ (63)}.
كما عَلموا أَنَّ حياة الأرض بعد موتها بالمطر من قبَل الله فليعلموا أَنَّ حياةَ النفوس بعد موتها- عند النّشْر والبعث- بقدرة الله. وكما علموا ذلك فليعلموا أَنَّ حياةَ الأوقات بعد نفرتها، وحياة القلوب بعد فترتها بماء الرحمة بالله. اهـ.

.تفسير الآيات [64- 69]:

قوله تعالى: {وَمَا هَذه الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلَّا لَهْو وَلَعب وَإنَّ الدَّارَ الْآخرَةَ لَهيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) فَإذَا رَكبُوا في الْفُلْك دَعَوُا اللَّهَ مُخْلصينَ لَهُ الدّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَى الْبَرّ إذَا هُمْ يُشْركُونَ (65) ليَكْفُرُوا بمَا آتَيْنَاهُمْ وَليَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ منْ حَوْلهمْ أَفَبالْبَاطل يُؤْمنُونَ وَبنعْمَة اللَّه يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ ممَّن افْتَرَى عَلَى اللَّه كَذبًا أَوْ كَذَّبَ بالْحَقّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوًى للْكَافرينَ (68) وَالَّذينَ جَاهَدُوا فينَا لَنَهْديَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسنينَ (69)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما تبين بهذا الآيات أن الدنيا مبنية على الفناء والزوال، والقلعة والارتحال، وصح أن السرور بها في غير موضعه فلذلك قال تعالى مشيرًا بعد سلب العقل عنهم إلى أنهم فيها كالبهائم يتهارجون: {وما هذه الحياة الدنيا} فحقرها بالإشارة ولفظ الدناءة مع الإشارة إلى أن الاعتراف بهذا الاسم كافٍ في الإلزام بالاعتراف بالأخرى.
ولما كان مقصود السورة الحث على الجهاد والنهي عن المنكر، وكان في معرض سلب العقل عنهم، قدم اللهو لأن الإعراض عنه يحسم مادة الشر فإنه الباعث عليه فقال: {إلا لهو} أي شيء يلهي عما ينفع {ولعب} يشتغل به صبيان العقول، وكل غافل وجهول، فإن اللهو كل شيء من شأنه أن يعجب النفس كالغناء والزينة من المال والنساء وغيره، فيحصل به فرح وزيادة سرور، فيكون سببًا للغفلة والذهول والنسيان والشغل عن استعمال العقل في اتباع ما ينجي في الآخرة فينشأ عنه ضلال- على ما أشارت إليه آية لقمان {ليشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله} [آية: 6] ومنه اللعب، وهو فعل ما يزيد النفس في دنياها سرورًا كالرقص بعد السماع وينقضي بسرعة لأنه ضد الجد ومثل الهزل، وهو كل شيء سافل، وكل باطل يقصد به زيادة البسط والترويح والتمادي في قطع الزمان فيما يشتهي من غير تعب، واللعبة- بالضم: التمثال، وما يلعب به كالشطرنج، والأحمق يسخر به، ولعب لعبًا: مرح، وفي الأمر والدين: استخف به.
ولما كانوا ينكرون الحياة بعد الموت، أخبر على سبيل التأكيد أنه لا حياة غيرها فقال: {وإن الدار الآخرة لهي} أي خاصة {الحيوان} أي الحياة التامة الباقية العامة الوافية نفسها من حيث أنه لا موت فيها ولا فناء لشيء من الأشياء، ولذلك اختير هذا البناء الدال على المبالغة، وحركته مشعرة بما في الحياة من مطلق الحركة والاضطراب، فلا انقضاء لشيء من لعبها ولا لهواها الذي لا يوافق ما في الدنيا إلا في الصورة فقط لا في المعنى، لأنه ليس فيها شيء سافل لا في الباعث ولا في المبعوث إليه، بل كان ذلك بالتسبيح والتقديس وما يترتب عليه من المعارف والبسط والترويح، والانشراح والأنس والتفريح.